للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنها تدعو له، وهي في الحقيقة تدعو عليه تقصد: أقرَّ الله عينك.

يعني: سكَّنها وجمدها بالعمى، وأتمَّ عليك نعمتك. وتمام الشيء بداية نقصه على حَدِّ قول الشاعر:

إذَا تَمَّ شَيء بَدَا نَقْصُه ... ترقَّبْ زَوَالاً إذاَ قِيلَ تَمّ

أما القرُّ بمعنى البرد، فمن المعلوم عن الحرارة أن من طبيعتها الاستطراق والانتشار في المكان، لكن حكمة الله خرقتْ هذه القاعدة في حرارة جسم الإنسان، حيث جعل لكل عضو فيه حرارته الخاصة، فالجلد الخارجي تقف حرارته الطبيعية عند ٣٧ْ، في حين أن الكبد مثلاً لا يؤدي مهمته إلا عند ٤٠ْ.

أما العين فإذا زادتْ حرارتها عن ٩ْ تنصهر، ويفقد الإنسان البصر، والعجيب أنهما عضوان في جسم واحد، فهي آية من آيات الله في الخلق، لذلك حين ندعو لشخص نقول له: أقرَّ الله عينك يعني: جعلها باردة سالمة، ألاَ ترى أن الإنسان إذا غَضِب تسخنُ عينه ويحمّر وجهه؟

فالمعنى هنا {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ} [القصص: ٩] يعني يكون نعمة ومتعة لنا، نفرح به ونقنع، فلا ننظر إلى غيره.

وفي موضع آخر يشرح لنا الحق سبحانه قُرَّة العين: {قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البأس إِلاَّ قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت} [الأحزاب: ١٨١٩] .

فهؤلاء تدور أعينهم هنا وهناك كما نقول نحن: (فلان عينه لا يجة) يعني: لا تهدأ، إما من خوف، أو من قلق، أو من اضطراب، وهذا كله ينافي قُرَّة العين.

<<  <  ج: ص:  >  >>