القصص: ١٠] أي: لا شيء فيه مما يضبط السلوك، فحين ذهبتْ لترمي بالطفل وتذكرت فراقه وما سيتعرض له من أخطار كادت مشاعر الأمومة عندها أن تكشف سِرَّها، وكادت أنْ تسرقها هذه العاطفة.
وسبق أنْ قُلْنا: إن الإنسان يدرك الأشياء بآلات الإدراك عنده، ثم يتحول هذا الإدراك إلى وجدان وعاطفة، ثم إلى نزوع وعمل، ومثَّلْنا لذلك بالوردة التي تراها بعينيك، ثم تعجب بها، ثم تنزع إلى قطفها، وعند النزوع تواجهك قضايا في الفؤاد تقول لك: لا يحق لك ذلك، فربما رفض صاحب البستان أو قاضاك، فالوردة ليست مِلْكاً لك.
وكذلك أم موسى، كان فؤادها فارغاً من القضية التي تُطمئنها على وليدها، بحيث لا تُفشي عواطفها هذا السر.
ومعنى {رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا}[القصص: ١٠] أي: ثبَّتْناها ليكون الأمر عندها عقيدة راسخة لا تطفو على سطح العاطفة، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل الكهف:{وَرَبَطْنَا على قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ السماوات والأرض}[الكهف: ١٤] .
إذن: الربْط على القلب معناه الاحتفاظ بالقضايا التي تتدخل في النزوع، فإنْ كان لا يصح أن تفعل فلا تفعل، وإنْ كان يصح أنْ تفعل فافعل، فهذه القضايا الراسخة هي التي تضبط التصرفات، وكان فؤاد أم موسى فارغاً منها.
لذلك نقول لمن يتكلم بالكلام الفارغ الذي لا معنى له: دَعْكَ من هذا الكلام الفارغ أي: الذي لا معنى له ولا فائدةَ منه، ومن ذلك قولهم: فلان عقله فارغ يعني: من القضايا النافعة. وإلا فليس هناك شيء فارغ تماماً، لا بُدَّ أن يكون فيه شيء، حتى لو كان الهواء.