ولذلك كان من صفات عباد الرحمن:{وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً}[الفرقان: ٧٢] أي: لا يلتفتون إليه.
وسبب نزول هذه الآية: لما استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رُسُل النجاشي وكانوا جماعة من القساوسة، فلما جلسوا أسمعهم سورة (يس) ، فتأثروا لها حتى بكَوْا جميعاً، ثم آمنوا برسول الله، ولما انصرفوا تعرَّض لهم أبو جهل ونهرهم وقال: خيَّبكم الله من رَكْب - وهم الجماعة يأتون في مهمة - أرسلكم من خلفي - يعني: النجاشي - لتعلموا له أخبار الرجل، فسمعتموه فبكيتُم وأسلمتُم، والله ما رأينا رَكْباً أحمق منكم، فما كان منهم إلا أنْ أعرضوا عنه.
هذا معنى قول الحق سبحانه:{وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ... .}[القصص: ٥٥] .
وهؤلاء مرُّوا باللغو مرورَ الكرام، وأعرضوا عنه، فلم يلتفتوا إليه، وزادوا على ذلك أنهم لم يسكتوا على اللغو إنما قالوا:{لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الجاهلين}[القصص: ٥٥] لنا أعمالنا الخيِّرة التي يجب أنْ نُقبل عليها، ولكم أعمالكم الباطلة التي ينبغي أنْ تُترك، فكلٌّ مِنَّا له شَأْن يشغله.
{سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ. .}[القصص: ٥٥] والسلام إما سلام تحية كما هو شائع بيننا، وإما سلام للمتاركة كما لو دخلتَ مع صاحبك في جدل، فلما رأيتَ أنه سيطول وربما تعدَّيْتَ عليه فتقول له تاركاً: سلام عليكم. تعني: إنني ليس لديَّ ما أقوله لمفارقتك إلا هذه الكلمة.
ومن ذلك ما دار بين الخليل إبراهيم - عليه وعلى نبينا الصلاة