فقال: يا ابن أخي، لولا أن قريشاً تُعيِّرني بهذه الواقعة، ويقولون ما آمن إلا جزعاً من الموت لأقررت عينك بها.
لكن يُروى أنه بعدما انتقل أبو طالب، جاء العباس إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال له: يا محمد، إن الكلمة التي طلبتَ من عمِّك أنْ يقولها قالها قبل أن يموت وأنا أشهد بها.
ونلاحظ هنا دقة الأداء من العباس، حيث لم يقُلْ: إن هذه الكلمة لا إله إلا الله، بل سماها (الكلمة) لماذا؟ لأنه لم يكن قد أسلم بعد.
وسبق أنْ تكلَّمنا في معنى الهداية {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ... }[القصص: ٥٦] وقلنا: إنها تأتي بأحد معنيين: بمعنى الإرشاد والدلالة، وبمعنى المعونة لمن يؤمن بالدلالة، ومن ذلك قوله تعالى:{والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ}[محمد: ١٧] أي: سمعوا الدلالة وأطاعوها، فزادهم الله هداية أخرى، هي هداية الإيمان والمعونة.
يقول تعالى في هذه المسألة:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}[فصلت: ١٧] يعني: دللناهم {فاستحبوا العمى عَلَى الهدى}[فصلت: ١٧] ؛ لذلك حُرموا هداية المعونة.
إذن: الهداية المنفية عن سيدنا رسول الله {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ... }[القصص: ٥٦] هي هداية المعونة والتوفيق للإيمان؛ لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ هدى الجميع هداية الدالة والإرشاد، وكان مما قال:{ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الصف: ١٠] .