أموالهم أو في أنفسهم - على فرض أن هذا صحيح - قصارى ما يصيبهم خسارة عَرَض فانٍ من الدنيا لو استمر لك لتمتعتَ به مدة بقائك فيها، وهذا الخير الذي سيفوتك من الدنيا محدود على مقتضى قوة البشر، ولا يضيرك هذا إنْ كنتَ من أهل الآخرة حيث ستذهب إلى خير بَاقٍ دائم، خير يناسب قدرة المنعم سبحانه.
أما إنْ ظلُّوا على كفرهم، فمتاع قليل في الدنيا الفانية، ولا نصيبَ لهم في الآخرة الباقية. إذن: فأيُّ الطريق أهدى؟ إن المقارنة العقلية ترجح طريق الهدى واتباع الحق الذي جاء به رسول الله، هذه واحدة.
ثم مَنْ قال إنكم إن اتبعتم الهدى مع رسول الله تُتخطَّفوا وتُضطهدوا؟ لذلك يرد الله عليهم: قُلْ لهم يا محمد: كذبتم، فلن يتخطفكم أحد بسبب إسلامكم {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يجبى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[القصص: ٥٧] .
فقد أنعم الله عليكم وأنتم كافرون مشركون به، تعبدون الأصنام في جاهلية، ومكَّن لكم حياة آمنة في رحاب بيته الحرام، ووفّر لكم رَغَد العيش وأنتم بوادٍ غير ذي زرع حيث يُجْبي إليه الثمرات من كل مكان، فالذي صنع معكم هذا الصنيع أيترككم ويتخلى عنكم بعد أنْ آمنتم به، واهتديتم إلى الحق؟ كيف يكون منكم هذا القياس؟
ومعنى:{نُمَكِّن لَّهُمْ ... }[القصص: ٥٧] نجعلهم مكينين فيه، كما في قوله تعالى:{وكذلك مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرض ... }[يوسف: ٢١] والتمكين