وهؤلاء لا يتساءلون؛ لأنهم في الجهل سواء، وفي الضلال شركاء، وكل منهم مشغول بنفسه {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس: ٣٤ - ٣٧] .
وكما سُئِل المشركون:{مَاذَآ أَجَبْتُمُ المرسلين}[القصص: ٦٥] في موضع آخر يسأل الرسل: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ ... }[المائدة: ١٠٩] أي: فيما علمتم من العلم، وأوله: علم اليقين الأعلى، وثانيها: علم الأحكام، فبماذا أجابكم الناس؟
وتأمل هنا أدب الرسل ومدى فهمهم في مقام الجواب لله، وهم يعلمون تماماً بماذا أجاب أقوامهم، وأن منهم مَنْ آمن بهم، وتفانى في خدمة دعوتهم وضحّى واستشهد، ومنهم مَنْ كفر وعاند، ومع ذلك يقولون:{قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب}[المائدة: ١٠٩] .
فكيف يقولون:{لاَ عِلْمَ لَنَآ. .}[المائدة: ١٠٩] وهم يعلمون؟ قالوا: لأنهم غير واثقين أن مَنْ آمن آمن عن عقيدة أم لا، فهم يأخذون بظواهر الناس، أما بواطنهم فلا يعلمها إلا الله، كأنهم يقولون: أنت يا ربنا تسأل عن إجابة الحق لا عن إجابة النفاق، وإجابة الحق نحن لا نعرفها، وأنت سبحانك علاَّم الغيوب.
إذن: جعلوا الحق - تبارك وتعالى - هو السُّلْطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية في محكمة العدل الإلهي التي سيُعلن فيها على رؤوس الأشهاد {لِّمَنِ الملك اليوم ... }[غافر: ١٦] .
والسؤال عند العرب يُطلق، إما للمعرفة حيث تسأل لتعرف، كما يسأل التلميذ أستاذه، أو يكون السؤال للإقرار بما تعرف، كما يسأل