وقال سبحانه:{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ}[الأنبياء: ١١٠] فقدَّم العلم بالجهر على العلم بالسرِّ، ولا يقدم الجهر إلا إذا كان له ملحظية خفاء عن السر، وهذه الملحظية غفل عنها السطحيون، فأخطأوا في فهم الآية.
فأنت مثلاً لو أسررتَ في نفسك شيئاً، فربما ظهر في سقطات لسانك أو على ملامح وجهك، وربما خانك التعبير فدلَّ على ما أسررتْه، ألم يقل الحق سبحانه وتعالى:{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول ... }[محمد: ٣٠] .
إذن: هناك قرائن وعلامات نعرف بها السر، أما الجهر وهو من الجماعة ليس جهراً واحداً؛ لأنه مقابل بالجمع:{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر مِنَ القول وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ}[الأنبياء: ١١٠] فالمعنى: ويعلم ما تجهرون وما تكتمون.
ولك أن تتابع مظاهرة لجمع غفير من الناس، يهتف كل منهم هتافاً، أتستطيع أن تميز بين هذه الهتافات، وأنْ تُرجع كلاً منها إلى صاحبها؟ هذا هو اللغز في الجهر والملحظ الذي فاتهم تدبُّره، لذلك امتن الله علينا بعلمه للجهر من القول الذي لا نعلمه نحن مهما أوتينا من آلات فَرْز الأصوات وتمييزها.
لذلك يقولون: لا تستطيع أنْ تُحدِّد جريمة في جمهور من الناس؛ لأن الأصوات والأفعال مختلطة، يستتر كلٌّ منها في الآخر كما يقولون: الفرد بالجمع يُعْصَم.