فإنْ غيَّرت فيه فقد أفسدتَ، فالفساد كما يكون في المادة يكون في المنهج، وفي المعنويات، يقول سبحانه:{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ... }[الأعراف: ٥٦] .
فالحق سبحانه خلق كل شيء على هيئة الصلاح لإسعاد خلقه، فلا تعمد إليه أنت فتفسده، ومن هذا الصلاح المنهج، بل المنهج وهو قوام الحياة المعنوية - أَوْلَى من قِوام الحياة المادية.
إذن: فلتكُنْ مؤدباً مع الكون من حولك، فإذا لم تستطع أنْ تزيده حُسْناً فلا أقلَّ من أنْ تدعه كما هو دون أنْ تفسده، وضربنا لذلك مثلاً ببئر الماء قد تعمد إليه فتطمسه، وقد تبني حوله سوراً يحميه.
هذه مسائل خمْس توجَّه بها قوم قارون لنصحه بها، منها الأمر، ومنها النهي، ولا بُدَّ أنهم وجدوا منه ما يناقضها، لا بُدَّ أنهم وجدوه بَطِراً أَشِراً مغروراً بماله، فقالوا له:{لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين}[القصص: ٧٦] .
ووجدوه قد نسي نصيبه من الدنيا فَلم يتزود منها للآخرة، فقالوا له {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا ... }[القصص: ٧٧] ، ووجدوه يضنُّ على نفسه فلا ينفق في الخير، فقالوا له:{وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ ... }[القصص: ٧٧] يعني: عَدِّ نعمتك إلى الغير، كما تعدَّت نعمة الله إليك. . وهكذا ما أمروه أمراً، ولا نهوْهُ نهياً إلا وهو مخالف له، وإلا لَمَا أمروه ولَمَا نهوْهُ.