ثم يطمئنه رسول الله على أن هذه الفترة - فترة الابتلاء - لن تطول، فيقول:«والله لَيتِمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئبَ على غنمه» .
والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو خاتم النبيين، «يدخل عليه سيدنا أبو سعيد الخدري فيجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يشتكي حرارة الحمى، فوضع يده على اللحاف الذي يلتحف به سيدنا رسول الله، فيُحِسّ حرارته من تحت اللحاف، فقال له: يا رسول الله، إنها لشديدة عليك؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:» يا أبا سعيد، إنه يُضعَّف لنا البلاء كما يُضعَّف لنا الجزاء «.
ذلك ليثبت أن البلاء لا يكون فقط من الأعداء، إنما قد يكون من الله تعالى، لماذا؟ لأن الله يباهي ملائكته بخَلْقه الطائعين المخبتين الصابرين، فيقولون: كيف لا يحبونك ويقبلون على طاعتك، وقد أنعمتَ عليهم بكذا وكذا، ويذكرون حيثيات هذه الطاعة، فيقول تعالى: وأسلب كل ذلك منهم ويحبونني، أي: يحبونني لذاتي.
ثم تختم هذه الآية بقوله تعالى:{إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين}[العنكبوت: ٦] لأن ميادين الجهاد هذه لا يعود منها شيء إلى الله تعالى، ولا تزيد في مُلكه شيئاً، إنما يستفيد منها العبد؛ لأنه سبحانه الغني عن طاعة الطائعين وعبادة المتعبدين، ليس غنياً عنهم وفقط، إنما هو سبحانه الذي يُغنيهم ويُفيض عليهم من فَضلْه ومن غِناه.