الإيمان، وغير المعلوم هي الصدقة؛ لأنها لا تخضع لمقدار معين، بل هي حَسْب أريحية المؤمن وحُبه للطاعات، ودخوله في مقام الإحسان الذي قال الله فيه:{إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم}[الذاريات: ١٥ - ١٩] وهذه الزيادة في العبادات دليل على عِشْق التكليف وحُبِّ الطاعة والثقة بأن الله تعالى ما كلَّفنا إلا بأقلّ مما يستحق سبحانه من العبادة؛ لذلك يقول العلماء: إياك أنْ تنتقل إلى هذا المقام وتُلزِم به نفسك، أو تجعله نَذْراً؛ لأنك إنْ فعلتَ صار في حقك فرضاً لا تستطيع أنْ تُنقِص منه.
إنما جعله لنشاطك ومقدرتك؛ لأنك إنْ تعوّدت على منهج وألزمت نفسك به ثم تراجعت، فكأنك تقول كلمة لا ينبغي أنْ تُقال، فكأنك - والعياذ بالله - جربت وُدّك لله فلم تجده - والعياذ بالله - أهلَ وُدٍّ فتركته.
إذن: فقوله سبحانه {وأَصْحَابَ السفينة ... }[العنكبوت: ١٥] يدلنا على أنها صُنِعَتْ بأمر الله من أجلهم، وبفراغ نوح من صناعتها كانت حقاً لهم، لا مِلْكاً له عليه السلام.
لكن كيف نفهم {وأَصْحَابَ السفينة ... }[العنكبوت: ١٥] وقد حمل فيها نوح - عليه السلام - من كُلٍّ زوجين اثنين؟ قالوا: الزوجان من غير البشر ليس لهما صُحْبة؛ لأنهما مملوكان لأصحاب الصُّحْبة.