وهنا وقف بعض المتمحكين يقول: كيف يقول القرآن في خطاب قوم إبراهيم {وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ... }[العنكبوت: ١٨] مع أنه لم يسبقهم إلا أمة واحدة هي أمة نوح عليه السلام؟ يظنون أنهم وجدوا مأخذاً على القرآن.
ونقول: نعم، كانت أمة نوح هي أمة الرسالة المقصودة بالإيمان، لكن جاء قبلها آدم وشيث وإدريس، وكانوا جميعاً في أمم سابقة على إبراهيم، أو نقول: لأن مدة بقاء نوح في قومه طالت حتى أخذت ألف سنة من عمر الزمان، وهذه الفترة تشمل قُرَابة العشرة أجيال، والجيل - كما قالوا - مائة سنة، كل منها أمة بذاتها.
ثم يقول تعالى:{وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين}[العنكبوت: ١٨] فمهمته مجرد البلاغ. يؤمن به مَنْ يؤمن، ويكفر مَنْ يكفر، الرسول لن نعطيه مكافأة أو عمولة على كل مَنْ يؤمن به، فإياكم أنْ تظنوا أنكم بكفركم تُقلِّلون من مكافأة النبي - خاصة وقد كانوا كارهين له - فالمعنى: عليَّ البلاغ فحسب، وقد بلَّغت فسآخذ جزائي وأجري من ربي، فأنتم لا تكيدونني بكفركم، بل تكيدون أنفسكم.
لذلك كان نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يحزن أشد الحزن، ويألم إنْ تفلَّت من يده واحد من أمته فكفر، حتى خاطبه ربه:{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ ... }[البقرة: ٢٧٢] .