ففي قوله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}[فصلت: ٤٦] لم يقل للعبد، إذن: تعدُّد الناس يقتضي تعدُّد الظلم - إن تُصور - فجاء هنا بصيغة المبالغة (ظََلاَّم) .
وهناك قضية لغوية في مسألة المبالغة تقول: إن نَفْي المبالغة لا ينفي الأصل، وإثبات الأصل لا يثبت المبالغة، فحين نقول مثلاً: فلان أكول، فهو آكل من باب أَوْلَى، وحين نقول: فلان آكل، فلا يعني هذا أنه أكول. فنَفْي المبالغة في {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}[فصلت: ٤٦] لا ينفي الأصل (ظالم) ، وحاشا لله تعالى أن يكون ظالماً.
وقوله تعالى:{ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[العنكبوت: ٤٠] وظلمهم لأنفسهم جاء من تدنّيهم وإهانتهم لأنفسهم بالكفر بعد أنْ كرّمهم الله، وكان عليهم أنْ يُصعِّدوا هذا التكريم، لا أن يُهينوا أنفسهم بعبادة الأدنى منهم.
وبعد أن حدثتنا الآيات عن الكافرين الذين اتخذوا الشركاء مع الله، وعن المكذِّبين للرسل وما كان من عقابهم، تعطينا مثلاً يُقرِّب لنا هذه الحقائق، فيقول سبحانه:{مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله ... } .