فأيُّ شرع هذا الذي يحافظ على سلامة الناس ومشاعرهم إلى هذا الحدِّ؟ إنه دين الله ومنهجه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة في حركة الحياة إلا ووضع لها أحكاماً وآداباً. أمِثْل هذا الشرع يُعزل عن حركة الحياة ويُقيّد وينحصر في مسائل العبادات وحدها؟
إنك حين تنظر إلى متاعب العالم المتخلف الآن - دَعْك من العالم المتقدم - ستجد أن متاعبه اقتصادية، ولو تقصيْتَ الأسباب لوجدتها تعود إلى التخلي عن منهج الله وتعطيل أحكامه، ووالله لو أنهم أخذوا في أزمتهم الاقتصادية بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع» .
لو عملوا بهذا وتأدَّبوا بأدب رسولهم لخرجوا من هذه الأزمة، وتقلَّبوا في رَغَد من العيش، إنك لو تحليْتَ بهذا الأدب في مسألة الطعام والشراب لكفتْك اللقمة واللقمتان، وأشهى الطعام ما كان بعد جوع مهما كان بسيطاً.
أما الآن، فنرى الناس يلجئون إلى المشهِّيات قبل الطعام، وإلى المهضِمات بعده، لماذا؟ لأنهم خالفوا هَدْي رسولهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فهم يأكلون على شِبَع، ويأكلون بعد الشِّبَع.
والحق - تبارك وتعالى - يقول:{وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا ... }[الأعراف: ٣١] وأُثِر عن العرب الذين عاشوا في شظف من العيش: نِعمْ الإدام الجوع. نعم إنه (الغموس) الحقيقي، والمشهِّي الأول.