يصلي، لكن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فقال:» دعوه، فإن صلاته تنهاه «» .
فالمعنى هنا أن الأمر ليس أمراً كونياً ثابتاً لا يتخلف، بل هو أمر تشريعي عُرْضة لأنْ يُطاع، وعُرْضة لأنْ يُعصى، فلو كان الأمر كونياً ما جرؤ صاحب صلاة عل الفحشاء والمنكر، ومثال ذلك أن أقول مثلاً لأولادي قبل أن أموت: يا أولادي، هذا بيت يكرم مَنْ يدخله.
كلام على سبيل الخبر ولم أقل: أكرموا مَنْ يدخله، فالذي يحترم وصيتي منهم يكرم مَنْ يدخل بيتي من بعدي، والذي لا يحترم الوصية لا يُكرم مَنْ يدخله. أما لو قلت: أكرموا مَنْ يدخل هذا البيت فقد ألزمتَ الجميع بالإكرام.
وأوضح من هذا قوله تعالى في شأن المسجد الحرام:{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ... }[آل عمران: ٩٧] فلما حدث أن اقتحمه بعض أصحاب الأهواء، وأطلقوا النار في ساحاته، وقتلوا فيه الآمنين قامتْ ضجة كبيرة تُشكِّك في هذه الآية: كيف يحدث هذا والله يقول {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ... }[آل عمران: ٩٧] فأقاموا هذه الأحداث دليلاً على كذب الآية والعياذ بالله.
وهذا المسلك منهم يأتي عن عدم فهم لمعنى الأمر الكوني والأمر التشريعي، فقوله تعالى:{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ... }[آل عمران: ٩٧] أمر تشريعي قابلٌ لأنْ يُطاع، ولأنْ يٌعصي، كأن الحق - سبحانه وتعالى - قال: أمِّنُوا مَنْ دخل البيت، فبعض الناس امتثل للأمر، فأمَّن مَنْ في البيت الحرام، وبعضهم عصى فروَّع الناس، وقتلهم