التقت المعجزة بالمنهج لتظل لصيقة به؛ لأن زمن رسالة محمد ممتدٌّ إلى قيام الساعة، فلا بُدَّ أنْ تظل المعجزة موجودة ليقول الناس محمد رسول الله، وهذه معجزته.
في حين لا نستطيع مثلاً أن نقول: هذا عيسى رسول الله وهذه معجزته؛ لأنها ليست باقية، ولم نعرفها إلا من خلال إخبار القرآن بها، وهذا يُوضِّح لنا فَضْل القرآن على الرسل وعلى معجزاتهم حيث ثبتها عند كل مَنْ لم يَرهَا، فكل مَنْ آمن بالقرآن آمن بها.
لكن، أكُلُّ رسول يأتي بمعجزة؟ المعجزة لا تأتي إلا لمن تحدَّاه، واتهمه بالكذب، فتأتي المعجزة لتثبت صِدْقه في البلاغ عن ربه؛ لذلك نجد مثلاً أن سيدنا شيثاً وإدريس وشَعيباً ليست لهم معجزات.
وأبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - والسيدة خديجة أم المؤمنين هل كانا في حاجة إلى معجزة ليؤمنا برسول الله؟ أبداً، فبمجرد أنْ قال: أنا رسول الله آمنوا به، فما الداعي للمعجزة إذن؟
إذن: تميَّز صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على إخوانه الرسل بأن كتابه هو عَيْن معجزته وسبق أنْ قلنا: إن الحق - تبارك وتعالى - يجعل المعجزة من جنس ما نبغ فيه القوم، فلو تحداهم بشيء لا عِلْم لهم به لقالوا: نحن لا نعلم هذا، فكيف تتحدّانا به؟ والعرب كانوا أهل فصاحة وبيان، وكانوا يقيمون للقوْل أسواقاً ومناسبات، فتحداهم بفصاحة القرآن وبلاغته أنْ يأتوا بمثله، ثم بعشر سُور، ثم بسورة واحدة، فما استطاعوا، والقرآن كلام من جنس كلامهم، وبنفس حروفهم وكلماتهم، إلا أن المتكلم بالقرآن هو الله تعالى؛ لذلك لا يأتي أحد بمثله.