الآيات، يُعيدها كما أملاها، وهذه هبة ربانية منحها لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وخاطبه بقوله:{سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى}[الأعلى: ٦] .
وإلا، فَلَك أن تتحدى أكثر الناس حِفْظاً أنْ يُعيد عليك خطبة أو كلمة ألقاها على مدى نصف ساعة مثلاً، ثم يعيدها عليك كما قالها في المرة الأولى.
ثم يقول سبحانه:{إِنَّ فِي ذلك لَرَحْمَةً وذكرى ... }[العنكبوت: ٥١] لكن لمن {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[العنكبوت: ٥١] لأن القرآن لا يثمر إلا فيمن يُحسن استقباله ويؤمن به، أما غير المؤمنين فهو في آذانهم وَقْر وهو عليهم عمى، لا يفقهونه ولا يتدبرونه؛ لأنهم يستقبلونه لا بصفاء نفس، وإنما ببُغْض وكراهية استقبال، فلا ينالون نوره ولا بركته ولا هدايته.
لذلك يقول تعالى في الذين يُحسِنون استقبال كلام الله:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ ... }[فصلت: ٤٤] .
أما الذين يجحدونه ولا يُحسنون استقباله، فيقول عنهم:{والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ... }[فصلت: ٤٤] .
وسبق أنْ قلنا: إن الفعل واحد، لكن المستقبل مختلف، ومثَّلْنا لذلك بمن ينفخ في يده ليُدفئها في البرد، ومَنْ ينفخ في الشاي ليُبرده، وأنت أيضاً تنفخ في الشمعة لتطفئها، وتنفخ في النار لتشعلها.
وفي موضع آخر يقول تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ... }[الإسراء: ٨٢] ، ففرْق بين الشفاء والرحمة، الشفاء يعني: أنه كانت هناك علة، فبرأت، لكن الرحمة ألاَّ تعاودك