إذن؛ فهو في حقيقة الأمر ليس غيباً، بل هو شيء موجود، لكن له ميلاد ووقت يظهر فيه، فإنْ جاء وقته يسَّر الله لخَلْقه الوصول إليه، إما بالبحث واستخدام المقدمات، فإذا صادف ميلاد السر بحث الخلق يُقال: إنهم أحاطواعِلْماً ببعض غيب الله.
ويقول تعالى:{وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ ... }[البقرة: ٢٥٥] أي: شاء أنْ يُولد، فإنْ جاء ميلاد السر، ولم يتوصَّلوا إليه ببحوثهم، ولم يقفوا على مقدماته كشفه الله لهم ولو مصادفة، وقد اكتشفوا كثيراً من أسرار الكون مصادفة.
فالغيب الحقيقي: هو الذي ليس له مقدمات تُوصِّل إليه، ولا يعلمه أحد إلا الله، والذي قال الله عنه:{عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ ... }[الجن: ٢٦ - ٢٧] فالرسول - إذن - لا يعلم الغيب، إنما عُلِّم الغيب.
ثم يقول تعالى:{والذين آمَنُواْ بالباطل ... }[العنكبوت: ٥٢] أي: بعبادة ما دون الله من الأصنام والأوثان {وَكَفَرُواْ بالله ... }[العنكبوت: ٥٢] الخالق واجب الوجود {أولئك هُمُ الخاسرون}[العنكبوت: ٥٢] لأن كفر الخَلْق بالخالق لا يؤثر في ذاته سبحانه، ولا في صفات الكمال فيه، لأنه سبحانه بصفات الكمال خلقهم، فله سبحانه صفات الكمال، آمنوا أم كفروا.
لكن فَرْق بين مَنْ يؤمن ومَنْ يكفر، فالإنسان بطبعه حريص على الحياة متمسك بها، حتى إنه إنْ أصابه مرض طلب العلاج ليصون حياته وهو يخاف الموت، ويرى مصارع الناس من حوله، وكيف سبقه أجداده ولم يخلد منهم أحد، ويرى أن الموت يأتي بلا أسباب؛ حتى قيل: والموت من غير سبب هو السبب.