والحق - سبحانه وتعالى - أعطانا صورة للحياة الدنيا، الحياة المادية في قوله تعالى عن آدم
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ... }[الحجر: ٢٩] فمن الطين خَلق آدم، وسوَّاه ونفخ فيه من روحه تعالى، فدبَّتْ فيه الحياة المادية.
لكن هناك حياة أخرى أسمى من هذه يقول الله عنها:{ياأيها الذين آمَنُواْ استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... }[الأنفال: ٢٤] فكيف يخاطبهم بذلك وهم أحياء؟ لا بُدَّ أن المراد حياة أخرى غير هذه الحياة المادية، المراد حياة الروح والقيم والمنهج الذي يأتي به رسول الله.
لذلك سمَّى المنهج روحاً {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ... }[الشورى: ٥٢] وسمَّى الملَك الذي نزل به روحاً: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين}[الشعراء: ١٩٣] .
إذن:{وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان ... }[العنكبوت: ٦٤] أي: الحياة الحقيقية التي لا تفوتها ولا تفوتك، ولا يفارقك نعيمها، ولا يُنغِّصه عليك شيء، كما أن التنعُّم في الدنيا على قَدْر إمكاناتك وأسبابك، أمّا في الآخرة فالنعيم على قَدْر إمكانات المنعم سبحانه وتعالى.
ثم يأتي وَصْف الدنيا بأنها لَهْو، ولَعِب، وهما حركتان من حركات جوارح الإنسان، لكنها حركة لا مَقصدَ لها إلا الحركة في ذاتها دون هدف منها؛ لذلك نقول لمن يعمل عملاً لا فائدة منه «عبث» .
إذن: اللهو واللعب عبث، لكن يختلفان من ناحية أخرى، فاللعب حركة لا فائدة منها، لكنه لا يصرفك عن واجب يعطي فائدة، كالولد حين يلعب، فاللعب لا يصرفه عن شيء إذن: فاللعب لمن لم يبلغ، أمّا البالغ المكلف فاللعب في حقِّه يسمى لَهْواً، لأنه كُلِّف فترك ما كُلِّف به