وننظر في معطياته الحقيقية:{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن ... }[النساء: ٨٢] .
والعلاقة هنا أن الآية السابقة جاءتْ لتقرر أن الدنيا دار لهو ولعب لا فائدة منها إذا ما بَعُدت عن منهج الله، ولم تحسب حساباً لحياة أخرى هي الحياة الحقيقية وهي الحيوان، فكان على العاقل أنْ يحرص على الآخرة، وأنْ يعمل لها باتباع منهج الله في الدنيا.
إذن: فالدنيا ليست غاية، بل هي وسيلة، وأنت أيها الذي أعرضتَ عن منهج ربك جلعتَ الدنيا غايتك، والدنيا إنْ كانت هي الغاية فما أتفهها من غاية، إنما اجعلها وسيلة للآخرة ومزرعة لدار الحيوان. وكذلك الحال في الفُلْك، فهي وسيلة تُوصِّلك إلى هدف، وإلى غاية، وليست هي غاية في حَدٍّ ذاتها.
{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ... }[العنبكوت: ٦٥] والفلك: السفينة، وتُطلق على المفرد وعلى الجمع، فيقول تعالى:{وَيَصْنَعُ الفلك ... }[هود: ٣٨] وقوله {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ... }[يونس: ٢٢] واضح من السياق أنها ليستْ دعوة الحمد، كأن يقولوا مثلاً {سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف: ١٣] بل هي دعوة الاضطرار بعد أنْ تعرَّضوا لشدة وعطب لا تنجيهم منها أسبابهم، بدليل قوله تعالى بعدها:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: ٦٥] .
فهذه تعطينا أنهم ركبوا في السفينة، فلما تعرَّضوا للعطب، وضاقتْ بهم أسبابهم دعوا الله مخلصين له الدين.