الأمن الخاص ألاَّ يصاد فيه، ولا يُعْضَد شجرة، ولا يُروَّع ساكنه.
وكأن الحق - سبحانه وتعالى - يقول للمشركين: لماذا لا تؤمنون بهذا الدين الذي جعل لكم بلداً آمناً، في حين يُتخطف الناس من حولكم؟ لماذا لا تحترمون وجودكم في هذا الأمن الذي وهبه الله لكم.
وعجيب منهم أن يقولوا كما حكى القرآن عنهم:{وقالوا إِن نَّتَّبِعِ الهدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ... }[القصص: ٥٧] كيف وقد حَمْيناكم أيام كنتم مشركين تعبدون الأصنام، أنترككم بعد أنْ تؤمنوا مع رسول الله.
وقصة هذا الأمن أولها في حادثة الفيل، لما جاء أبرهةُ ليهدم بيت الله ويُحوِّل الناس إلى بيت بناه باليمن، فردَّ الله كيدهم، وجعلهم كعصف مأكول، وحين نقرأ هذه السورة على الوَصْل بما بعدها تتبين لنا العِلَّة من هذا الأمن، ومن هذه الحماية، اقرأ:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[الفيل: ١ - ٥] لماذا؟ {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف}[قريش: ١ - ٢] .
فالعلة في أن جعلهم الله كعصف مأكول {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ}[قريش: ١] لأن اللام في (لإيلاَف) للتعليل، وهي في بداية كلام فالعلة في أن الله لم يُمكِّن الأعداء من هدم البيت لتظلّ لقريش مهابتها ومكانتها بين العرب، ومهابتها مرتبطة بالبيت الذي يقصده الناس من كل مكان.