للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالحق - سبحانه وتعالى - خلق الألم لحكمة؛ ليُنبِّهك أن في موضع الالم عطباً، وأن الجارحة التي تألم غير صالحة لأداء مهمتها؛ لذلك يقولون في تعريف العافية: العافية ألاَّ تشعر باعضائك، لك أسنان تأكل بها، لكن لا تدري بها، وربما لا تتذكر هذه النعمة إلا إذا أصابها عَطَب فآلمتك.

إذن: حين تعلم جارحتك وتتألم، فاعلم أنها غير طبيعية، وأنها لا تؤدي مهمتها كما ينبغي، فعليك أنْ تبادر بعلاجها.

وأيضاً حين يزدهر الباطل، وتكون هل صَوْلة، فإنما ذلك ليُشعرك بحلاوة الحق، فتستشرف له وتتمناه. لذلك انتشر الإسلام في البلاد التي فيها أغلبية إسلامية، لا بالسيف كما يحلو للبعض أن يقول، إنما انتشر برؤية الناس لمبادئه وسماحته.

ففي بلاد فارس والروم ذاق الناسُ هناك كثيراً من المتاعب من دياناتهم ومن قوانينهم، فلما سمعوا عن الإسلام ومبادئه وسماحة تعاليمه أقبلوا عليه.

فلولا أن الباطل عضَّهم لما لجأوا للإيمان، فالإسلام انتشر انتشاراً عظيماً في نصف قرن من الزمان، ولم يكن هذا نتيجة الاندفاع الإيماني ليدخل الناس في الإسلام، إنما لجذْب الضلال للإيمان، فكأن الإسلام مدفوع بأمرين: أهله الحريصون على انتشاره، وباطل يجذب الناس إليه.

والحق - سبحانه وتعالى - يعطينا مثلاً للحق وللباطل في قوله تعالى:

{أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>