فعليك أنْ تقف في جهاد النفس موقفاً تقارن فيه بين شهوات النفس العاجلة وما تُورِثك إياه من حسرة آجلة باقية، وما تضيعه عليك من ثواب ربك في جنة فيها من النعيم، ما لا عَيْن رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ضع ربك ونفسك في هذه المقابلة وتبصّر، واعلم أن لربك سوابقَ معك، سوابق خير أعدّها لك قبل أن توجد، فالذي أعدَّ لك كل هذا الكون، وجعله لخدمتك لا شكَّ مأمون عليك، وأنت عبده وصنعته، وهل رأيت صانعاً يعمد إلى صنعته فيحطمها؟
أما إن رأيت النجار مثلاً يمسك (بالفارة) وينحت في قطعة الخشب، فاعلم أنه يُصلحها لأداء مهمتها، وأذكر قصة الطفل (أيمن) الذي جاء أمه يبكي؛ لأن الخادمة تضرب السجادة، فأخذتْه أمه وأرتْه التراب الذي يتساقط من السجادة في كل ضربة من ضربات الخادمة، ففهم الطفل على قدر عقله.
وكذلك الحق سبحانه حين يبتلي خَلْقه، فإنما يبتليهم لا كَيْداً فيهم، بل إصلاحاً لهم. ألم نسمع كثيراً أماً تقول لوحيدها (إلهي أشرب نارك) ؟ بالله ما حالها لو استجاب الله لها؟ وهي في الحقيقة لا تكره وحيدها وفلذة كبدها، إنما تكره فيه الخصلة التي أغضبتها منه.
وكذلك الحق - سبحانه وتعالى - لا يكره عبده، إنما يكره فيه الخصال السيئة فيريد أنْ يُطهِّره منها بالبلاء حتى يعود نقياً كيوم ولدته أمه، فأحسن أيها الإنسان ظنك بربك.
إذن: نقول: إن من أعظم الجهاد جهادك لنفسك، لأنها تُلِح عليك أن تُشبع رغباتها، كما أنها عُرْضة لإغراء الهوى ووسوسة الشيطان