للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذه الثقة سُمِّي الصِّديق صدِّيقاً، فحين أخبروه بمقالة رسول الله عن الإسراء ما كان منه إلا أنْ قال: إنْ كان قال فقد صدق ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يخبر بهذه النتيجة، ويراهن المشركين عليها، ويتمسك بها، وما ذاك إلا لثقته في صدق هذا البلاغ، وأنه لا يمكن أبداً أنْ يتخلف.

وقوله تعالى {لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ... } [الروم: ٤] يعني: إياكم أنْ تفهموا أن انتصار الفرس على الروم أو انتصار الروم على الفرس خارج عن مرادات الله، فلله الأمر من قبل الغلب، ولله الأمر من بعد الغلب.

فحين غَلبت الروم لله الأمر، وحين انتصرت الفرس لله الأمر؛ لأن الحق سبحانه يهيج أصحاب الخير بأن يُغلِّب أصحاب الشر، ويُحرِّك حميتهم ويُوقظ بأعدائهم مشاعرهم، ويُنبّههم إلى أن الأعداء لا ينبغي أن يكونوا أحسن منهم.

إذن: فنصر المكروه لله على المحبوب لله جاء بتوقيت من الله؛ لذلك إياك أن تحزن حين تجد لك عدواً، فالأحمق هو الذي يحزن لذلك، والعاقل هو الذي يرى لعدوه فَضْلاً عليه، فالعدو يُذكِّرني دائماً بأن أكون قوياً مستعداً، يُذكِّرني بأن أكون مستقيماً حتى لا يجد مني فرصة أو نقيصة. العدو يجعلك تُجنِّد كل ملكاتك للخير لتكون أفضل منه؛ لذلك يقول الشاعر:

عدايَ لَهٌمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ ... فَعِنْدي لهُم شُكْرٌ على نَفْعهم ليَا

فَهُمْ كدَواءٍ والشِّفاء بمُرِّهِ ... فَلا أَبْعَد الرحمنُ عنِّي الأعَادِيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>