إنهم يفرحون لأنهم أصابوا الحق، فكلما جاءت آية فرح كل منهم بنفسه؛ لأنه كان محقاً حينما آمن بالإله الواحد الذي يعلم الأمور على وفق ما ستكون واتبع رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. إذن: لا تقصر هذه الفرحة على شيء واحد، إنما عَدِّها إلى أمور كثيرة متداخلة.
كما أن اليوم الذي انتصر فيه الروم صادف اليوم الذي انتصر فيه المسلمون في بدر.
وقوله تعالى {يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ... }[الروم: ٥] الفرس أو الروم، ما دام أن له الأمر من قبل ومن بعد {وَهُوَ العزيز الرحيم}[الروم: ٥] الحق سبحانه وصف نفسه بهاتين الصفتين: العزيز الرحيم، مع أن العزيز هو الذي يغلب ولا يٌغْلب، فقاهريته سبحانه عالية في هذه الصفة - ومع ذلك أتبعها بصفة الرحمة ليُحِدث في نفس المؤمن هذا التوازن بين صفتي القهر والغلبة وبين صفة الرحمة.
كما أننا نفهم من صفة العزة هنا أنه لا يحدث شيء إلا بمراده تعالى، فحين ينتصر طرف وينهزم طرف آخر حتى لو انتصر الباطل لا يتم ذلك إلا لمراده تعالى؛ لأن الله تعالى لا يُبقي الباطل ولا يُعلي الكفر إلا ليظهر الحق، فحين يُعَضُّ الناس بالباطل، ويشقَوْن بالكفر يفزعون إلى الإيمان ويتمسكون به.
واقرأ قوله تعالى: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الذين كَفَرُواْ السفلى وَكَلِمَةُ الله هِيَ