الناس تجد لجاجة وحرصاً على الظهور، ولو بالباطل، إنما حينما تكون مع نفسك تسألها وتتأمل فيها، فلا مُهيج ولا مُعاند، لا تخجل أنْ ينتصر عليك خَصْمك، ولا تطمع في مكانة أو منزلة؛ لذلك تصل بالنظر في نفسك إلى الحقيقة.
لذلك يخاطب القرآن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بقوله:{قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ... }[سبأ: ٤٦] يعني: يا مَنْ تفكِّرون في صدق هذا الرسول، وتتهمونه بالكذب والافتراء والسحر. . الخ أريد منكم شيئاً واحداً {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى ... }[سبأ: ٤٦] أي: مثنى مثنى، أو منفردين، كلٌّ على حدة {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}[سبأ: ٤٦] .
إذن: الطريق إلى الحقيقة لا يكون بالمجادلة الجماهيرية، إنما بتأمل الإنسان مع نفسه، أو مع مثله، فمع الجماعة تتحرك في النفس الرغبة في العْلُو والانتصار؛ لذلك حين تناقش العاقل يقول لك (حسيبك تراجع نفسك) يعني: تفكَّر وحدك بحيث لا تُحرج من أحد، فتكون أقرب للموضوعية وللوصول إلى الحق.
وبعد أنْ أمرنا ربنا بالتفكّر في أنفسنا يلفتنا إلى التأمل فيما حولنا من السماوات والأرض {مَّا خَلَقَ الله السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بالحق وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ... }[الروم: ٨] .
وهناك آية أخرى تقدم التفكُّر في السماء والأرض على التفكّر في النفس، هي قوله تعالى:{لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ... }[غافر: ٥٧] .
لماذا؟ لأن الإنسان قد يموت قبل أنْ يُولد، ويموت بعد عدة سنوات، أو حتى بعد مئات السنين، أما السماوات والأرض بما فيهما