من دقة الأداء القرآني، ومظهر من مظاهر إعجازه، فالظاهر أننا نسير على الأرض، لكن التحقيق أننا نسير في الأرض؛ لأن الذي خلقنا وخلق الأرض قال:{سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ}[سبأ: ١٨] .
ذلك لأن الأرض ليست هي مجرد اليابسة التي تحمل الماء، والتي نعيش عليها، إنما الأرض تشمل كل ما يحيط بها من الغلاف الجوي؛ لأنها بدونه لا تصلح للعيش عليها، إذن: فغلاف الأرض من الأرض، فحين نسير لا نسير على الأرض إنما في الأرض.
والسير في الأرض نظر له الدين من ناحيتين: سير يُعَدُّ سياحة للاعتبار، وسيْر يُعَدُّ سياحة للاستثمار، فالسير للاعتبار أن تتأمل الآيات في الأرض التي تمر بها، فالجزيرة العربية مثلاً صحراء وجبال يندر فيها الزرع، فإنْ ذهبتَ إلى أسبانيا مثلاً تجدها بلاداً خضراء لا تكاد ترى سطح الأرض من كثرة النباتات بها.
وفي كل منها خيرات؛ لأن الخالق سبحانه وزَّع أسباب الفضل على الكون كله، وترى أن هذه الأرض الجرداء القاحلة والتي كانت يشقُّ على الناس العيش بها لما صبر عليها أهلها أعطاهم الله خيرها من باطن الأرض، فأصبحت تمد أعظم الدول وأرقاها بالوقود الذي لا يُسْتغنى عنه يوماً واحداً في هذه البلاد، وحينما قطعناه عنهم في عام ١٩٧٣ضجُّوا وكاد البرد يقتلهم.
حين تسير في الأرض وتنظر بعين الاعتبار تجد أنها مثل (البطيخة) ، لو أخذتَ منها قطاعاً طولياً فإنه يتساوى مع باقي القطاعات، كذلك الأرض وزَّع الله بها الخيرات على اختلاف ألوانها، فمجموع الخير في كل قطاع من الأرض يساوي مجموع الخيرات في القطاعات الأخرى.