إلى الزرع تحصده وتأخذ منه التقاوي للعام القادم، وهكذا في دورة مستمرة بين بَدْء وإعادة {الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ ... }[الروم: ١١] .
وسبق أنْ ضربنا مثلاً بالوردة الغضَّة الطرية بما فيه من جمال في المنظر والرائحة، فإذا ما قُطِفتْ جفَّتْ، لأن المائية التي بها تبخرتْ، وكذلك رائحتها ولونها انتشر في الأثير، ثم يتفتت الباقي ويصير تراباً، فإذا ما زرعت وردة جديدة أخذت من المائية التي تبخرت ومن اللون ومن الرائحة التي في الجو.
وهكذا تبدأ دورة وتنتهي أخرى؛ لأن مُقوِّمات الحياة التي خلقها الله هي هي في الكون، لا تزيد ولا تنقص، فالماء في الكون كما هو منذ خلقه الله: هَبْ أنك شربت طوال حياتك عشرين طناً من الماء، هل تحمل معك هذا الماء الآن؟ لا إنما تَمَّ إخراجه على هيئة عرق وبول ومخاط وصماخ أذن. . إلخ، وهذا كله تبخَّر ليبدأ دورة جديدة.
ثم يقول سبحانه:{ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[الروم: ١١] نلحظ أن الكلام هنا عن الخَلْق {الله يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ ... }[الروم: ١١] لكن انتقل السياق من المفرد إلى الجمع {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[الروم: ١١] ولم يقل يرجع أي: الخلْق، فلماذا؟
قالوا: لأن الناس جميعاً لا يختلفون في بَدْء الخلق ولا في إعادته، لكن يختلفون في الرجوع إلى الله، فهذا مؤمن، وهذا كافر، هذا طائع، وهذا عاصٍ، وهذا بين بين، ففي حال الرجوع إلى الله ستفترق هذه الوحدة إلى طريقين: طريق للسعداء، وطريق للأشقياء، لذلك لزم صيغة الإفراد في البَدْء وفي الإعادة، وانتقل إلى