البيضة من الدجاجة، ويُخرج الدجاجة من البيضة، وهذا الكلام لا يستقيم مع منطق العقل، وهل كل بيضة بالضرورة تُخرج دجاجة؟ لا بل لا بُدَّ أنْ تكون بيضة مُخصَّبة. إذن: لا تقُلْ البيضة والدجاجة، ولكن قُلْ يُخرج الحي من الميت من كل شيء موجود.
ثم يقول سبحانه:{وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي ... }[الروم: ١٩] وفي موضع آخر يقول تعالى: {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَمُخْرِجُ الميت مِنَ الحي ... }[الأنعام: ٩٥] فأتى باسم الفاعل (مُخْرِج) بدلاً من الفعل المضارع.
لذلك وقف عندها المشككون في أسلوب القرآن، يقولون: إنْ كانت إحداهما بليغة، فالأخرى غير بليغة، وهذا منهم نتيجة طبيعية لعدم فَهْمهم للغة القرآن، وليستْ لديهم الملَكة العربية التي تستقبل كلام الله.
وهنا نقول: إن الذي يتكلم ربٌّ يعطي لكل لفظة وزنها، ويضع كل كلمة في موضعها الذي لا تُؤدِّيه كلمة أخرى.
فقوله تعالى {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت ... }[الروم: ١٩] هذه في مصلحة مَنْ؟ في مصلحتنا نحن؛ لأن الإنسان بطَبْعه يحب الحياة، وربما استعلى بها، واغترَّ بهذا الاستعلاء، كما قال ربنا:{كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى أَن رَّآهُ استغنى}[العلق: ٦ - ٧] .
لذلك يُذكِّره ربه تعالى بالمقابل: فأنا كما أُخرج الحيَّ من الميت أُخرِج الميت من الحيِّ فانتبه، وإياك أنْ تَتعالى أو تتكبَّر، وافهم أن الحياة موهوبة لك من ربك يمكن أنْ يسلبها منك في أيِّ لحظة.
وعبَّر عن هذا المعنى مرة بالفعل المضارع (يُخرِج) الدالّ على