ونقف هنا عند قوله تعالى {مَن فِي السماوات والأرض ... }[الروم: ٢٦] فمن في السماوات نعم هم قانتون لله أي: خاضعون له سبحانه، مطيعون لإرادته لأنهم ملائكة مُكرَّمون {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم: ٦] .
فما بال أهل الأرض، وفيهم ملاحدة وكفار ليسوا قانتين، فكيف إذن نفهم {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ}[الروم: ٢٦] .
قالوا: لأنهم لما تمرَّدوا على الله وكفروا به، أو تمرَّدوا على حكمه فعصَوْه لم يتمردوا بذواتهم، إنما بما خلق الله فيهم من اختيار، ولو أرادهم سبحانه مقهورين ما شذَّ واحد منهم عن مراد ربه، والله عَزَّ وَجَلَّ لا يريد أنْ يحكم الإنسان بقهر القدرة، إنما يريد لعبده أنْ يأتيه طواعية مختاراً، فإمكانه أن يكفر ومع ذلك آمن، وبإمكانه أن يعصي ومع ذلك أطاع.
فلو أرادهم الله مؤمنين ما وجدوا إلى الكفر سبيلاً، ولعصمهم كما عصم الأنبياء، ربك يريدك مؤمناً عن محبة وإخلاص لا عن قهر وغلبة؛ لذلك قال إبليس في جداله:{فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين}[ص: ٨٢ - ٨٣] .
فلا قدرة له على عباد الله المخلصين، الذين اختارهم الله لنفسه، ولا سلطانَ له عليهم، فإبليس إذن ليس في معركة مع ربه، إنما في معركة مع الإنسان. وفي موضع آخر قال تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ... }[الحجر: ٤٢] .
ولما عشق هؤلاء المتمرِّدون على الله التمرد، وأحبوه زادهم الله