وكذلك هو سبحانه لا ينتفع بما يُشرِّعه لنا، لأنه سبحانه خلقنا بقدرته، وهو الغني عنَّا لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصي، إذن: فهو سبحانه وحده المستكمل لشروط التشريع، والمستحق لها سبحانه، وبيان الهوى الواحد الذي يجتمع عليه كل الخَلْق.
وسبق أن ذكرنا في مسألة التشريع أنه لا ينبغي أن تنظر إلى ما أُخِذ منك، بل قارن بين ما أخذتَ وما أعطيتَ، فالذي منعك أنْ تعتدي على الآخرين وأنت فرد واحد منع الخَلْق جميعاً أنْ يعتدوا عليك، فالتشريع إذن في صالحك أنت.
إذن: لو عقلنا لأخذنا هوانا الواحد من إله واحد هو الله - عَزَّ وَجَلَّ - لكن الخيبة أنهم ما استمعوا هذا الكلام وما عقلوه.
{بَلِ اتبع الذين ظلموا أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ... }[الروم: ٢٩] ظلموا لأنهم عزلوا الهوى الواحد، ونَحَّوه جانباً، وأخذوا أهواءً شتى تعارضتْ وتضاربت، فلم يصلوا منها إلى نتيجة.
وما ظلموا بالشرك إلا أنفسهم، والله تعالى يقول:{إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣] ظلموا أنفسهم حينما أعطوها شهوة عاجلة ولذة فانية، وغفلوا عن عاقبة ذلك، فهم إما كارهون لأنفسهم، أو يحبونها حباً أحمق، وهذه آفة الهوى حينما يسبق العقل ويتحكم فيه.
وقوله تعالى:{بِغَيْرِ عِلْمٍ ... }[الروم: ٢٩] أولاً: ما هو العلم؟ في الكون قضايا نجزم بها، فإنْ كان ما نجزم به مطابقاً للواقع ونستطيع أن ندلل عليه - كما نُعلِّم مثلاً الولد الصغير: الله أحد، فإن استطاع أن يدلل عليها فهي عِلْم، وإنْ لم يستطع فهي تقليد.