إنها طاعة بلا حب، ولكنها باستعلاء. وقد يحاول عبد أن يقول: ماذا يطلب الله مني؟ ألا يطلب منى الصلاة والزكاة وإقامة العبادات؟ سوف أفعل ذلك. لمثل هذا العبد نقول: لا، إن الله يطلب العبادة بحب منك وخشوع واطمئنان، لأن التكليف من الحق صدقة أخرى أجراها الله على العبد. إن الحق سبحانه وتعالى قد كلف العبد بالتكاليف الإيمانية، حتى يكون الإنسان سويا وله قيمة في الحياة.
إن معنى «قانت» هو العبد الذي يؤدي عبادة ربه بخشوع، وباطمئنان، وباستدامة. لماذا؟ لأن الذي يقبل على الطاعة ثم ينصرف عنها كأنه قد جرب وده لله فلم يجد الله أهلا للود. أما العبد الطائع فهو لا ينصرف عن العبادة، لأنه ذاق حلاوة استدامة العبادة لله، ومادام قد أدرك حلاوة العبادة فهو يقبل عليها بخشوع، واطمئنان، واستدامة، ويدخل في دائرة القانتين.
وبعد «القانتين» يقول الله سبحانه: {والمنفقين} وكلمة أنفق و «نفق» ، مأخوذة من كلمة «نفق الحمار» أي مات، و «ونفقت السوق» أي انتهت بضائعها واشتراها الناس ولم يبق منها شيء. و «نفقة» مأخوذة من هذا المعنى لتشعرنا بأن الإنسان حين ينفق فهو يُميت ما أنفقه من نفسه، فلا يتذكر أنه أنفق على فلان كذا، وعلى علان كذا، أي يعلم يقينا أن ما أنفقه هو رزق من أنفقه عليهم وليس له إلا أجر إيصاله إليهم فلا مَنّ، ولا إذلال.
إن الله يريد من كل إنسان يُخرج شيئا من ماله أن ينهى من ذهنه هذا الشيء الذي خرج من المال فلا يذكره ولا يَمُنّ به على أحد. «والنفقة» ، تقتضي وجود منفق، ومنفقا عليه، ومنفقاً به، المنفق كما نعرف هو المؤمن الذي عنده فضل مالٍ، والمنفق عليه هو الفقير، والمنفَق به هو الخيرات.
ومن أين تأتي هذه الخيرات؟ إنها تأتي نتيجة الحركة في الحياة، وحركة المتحرك في الحياة تقتضي قدرة، فإذا كان الإنسان عاجزا، ولا يجد القدرة على الحركة، فمن أين يعيش، إن الله لا بد أن يضمن له في حركة القادر ما يعوله.
لقد جعل الله القدرة عرضا من أعراض الحياة، فالقادر اليوم قد يصير عاجزا غدا. ومادامت القدرة عرضا من أعراض الحياة، فالقادر الآن عندما يسمع الأمر