ولا تُحصي لا يُعاقبكم إلا بشيء اقترفتموه يستحق العقاب؛ ذلك لأنه رَبٌّ رحيم حكيم.
وما دام الأمر كذلك فانظر إلى آثار رحمة ربك في الكون، وتأمل هذه النعَم، وقفْ عند دِقَّة الأسلوب في قوله سبحانه:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا ... }[إبراهيم: ٣٤] .
فالعَدُّ يقتضي الكثرة و {نِعْمَتَ ... }[إبراهيم:] مفرد، فكيف نعدُّ يا رب؟ قالوا: نعم هي نعمة واحدة، لكن في طياتها نِعَم فلو فتشتها لوجدتَ عناصر الخيرية فيها لا تُعَد ولا تُحصىَ.
لذلك لما تعرضتْ الآيات لِعَدِّ نِعَم الله استخدمتْ (إنْ) الدالة على الشكِّ؛ لأنها لا تقع تحت الحصر ولا العَدِّ، لكن على فرض إنْ حاولت عدَّها فلن تُحصيها، والآن ومع تقدُّم العلوم وتخصُّص كليات بكاملها لدراسة علم الإحصاء، وخرجوا علينا بإحصاءات لأمور ولأشياء كثيرة في حياتنا، لكن لم يتعرض أحد لأنْ يُحصي نعمة الله، لماذا؟
لأن الإقبال على الإحصاء لا يكون إلا مع مظنَّة أنْ تُعدَّ وتستوعب ما تحصيه، فإنْ كان خارج نطاق استيعابك فلن تتعرض لإحصائه كما لم يتعرَّضْ أحد مثلاً لِعَدِّ الرمال في الصحراء؛ لذلك يُشكككم الله في أنْ تعدُّوها {وَإِن تَعُدُّواْ ... }[إبراهيم: ٣٤] فهو أمر مُستبعد، ولن يكون.