وقوله تعالى:{ذَلِكَ ... }[الروم: ٣٨] أي: الإيفاء لهؤلاء {خَيْرٌ ... }[الروم: ٣٨] كلمة خير تُطلَق في اللغة، ويُراد بها أحد معنيين: مرة نقول خير ويقابلها شر كما في قوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة: ٧ - ٨] ، ومرة نقول: خير ونقصد الأخْير كالأحسن أي: أفعل تفضيل، كما جاء في قول الشاعر:
زَيْدٌ خِيَارُ النَّاسِ وابْنُ الأَخْير ... لكن الشائع أن تُستعمل خير في أفعل التفضيل كقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كُلٍّ خير» فخَيْر الأولى بمعنى أخير. لكن لمن؟
{لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وأولئك هُمُ المفلحون}[الروم: ٣٨] أي: في الوفاء بحقِّ ذي القربى والمسكين وابن السبيل، يريد بذلك وجه الله، لا يريد رياءً ولا سمعة؛ لأن الذي يفعل خيراً يأخذ أجره مِمَّن فعل من أجله، فمَنْ عمل لله مخلصاً فأجره على الله، ومَنْ عمل للناس رياءً وسمعةَ فليأخذ أجره منهم.
وهؤلاء الذين وصفهم الله تعالى بقوله:{والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب}[النور: ٣٩] أي: فوجيء بوجود إله لم يكُنْ في باله ولم يعمل من أجله.
فمعنى {يُرِيدُونَ وَجْهَ الله ... }[الروم: ٣٨] أي: يقصدون بعملهم