فالصدقة ابتغاء وجه الله كالأرض الخِصْبة حين ينزل عليها المطر، فيأتي نباتها مضاعفاً مباركاً فيه، فإنْ لم يكُمْ مطر كفاها الطَّل لتنبت وتُؤتي ثمارها، ولو قال: كمثل جنة لكانت كافية لكنها {جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ ... }[البقرة: ٢٦٥] يعني: على مكان مرتفع ليدلَّ على خصوبتها، فكلما كانت الأرض مرتفعة زادتْ خصوبتها، وخلَتْ من المياه الجوفية التي تؤثر على النبات.
وهذه الجنة تُرْوى بالمطر يأتيها من أعلى، فيغسل الأوراق والغصون، فتزيد نضارتها وجودتها، والأوراق هي رئة النبات.
والله تعالى يترك لآثار الذات في الناس تذكرةً وعبرة، فواحد يفعل الخير بآخر ليشتريه به، أو ليُخضع عنقه بهذا الجميل، فتكون النتيجة الطبيعية أنْ ينكر الآخر جميله، بل ويكرهه ويحقد عليه، وهذا جزاء وفاقٌ لمن عمل العمل لغير وجه الله.
وهو معنى قولهم: اتَّقِ شر مَنْ أحسنتَ إليه، لماذا؟ لأنه حين يراك يتذكر ما لك من يَد عليه، وما لك من فضل، فيخزي ويشعر بالذلة؛ لأن وجودك يدكُّ كبرياءه؛ لذلك يكره وجودك، ويكره أنْ يراك.
فالحق سبحانه يقول: احذروا أنْ تُبطلوا المعروف بالرياء، أو بالأغراض الدنية؛ لأن معروفك هذا سيُنَكر، وسينقلب ما قدمتَ، من خير شراً عليك. إذن: عليكم بالنظر في أعمالكم إلى وجه الله لا إلى غيره، فإنْ حدث وأنكر جميلك فجزاؤك محفوظ عند الله،