لذلك من حكمة الخالق سبحانه ألاَّ يُملِّك الهواء لأحد، ولو ملكه أحد وغضب عليك لمتَّ قبل أنْ يرضى عنك، أما الماء فقليل أنْ يُملكه للناس، أما الطعام فكثيراً ما يملك؛ لأن الإنسان يصبر عليه فترة طويلة تُمكِّنه أن يكتسبه، ويحتال عليه، أو لعل مالكَ الطعام يرقُّ قلبه ويعطيك.
لذلك نسمع من عبارات التهديد: والله لأكتم أنفاسه، كأن هذه العملية هي أقسى ما يمكن فِعْله؛ لأنك قد تمنع عنه الماء أو الطعام ولا يموت، لكن إنْ منعتَ عنهَ الهواء فهي نهايته، وهي أسرع وسائل الإبادة للإنسان وأيسرها وأقلّها أثراً، فلا يترتب عليها دم ولا جروح مجرد منديل مبلل بالماء. إذن: الهواء مُقوِّم هام حياة وإماتة.
وقلنا: إذا حُبِس الهواء أو سكن لا يتجدد فيه الأكسوجين فيتضايق الإنسان؛ لأن أنفاسه تكتم، أما إذا حدثت في المكان رائحة كريهة فترى الجميع يضج: افتحوا النوافذ، لماذا؟ ليتجدد الهواء.
إذن: إرسال الرياح في ذاتها نعمة، فإذا كان فيها برودة وشعرت بطراوتها فهي تُبشِّرك بالمطر؛ لذلك كان العربي يعرف المطر قبل وقوعه ويُقدِّر مسافة السحابة التي ستمطره، إذن: فالتبشير بالمطر نعمة أخرى.
وهاتان النعمتان إرسال الرياح وإنزال المطر، لا دخلَ للإنسان فيهما {وَلِيُذِيقَكُمْ مِّن رَّحْمَتِهِ ... }[الروم: ٤٦] أي: بالمطر أما في آية الفلك {وَلِتَجْرِيَ الفلك بِأَمْرِهِ ... }[الروم: ٤٦] فنسب الجريان إلى الفُلْك لأن للإنسان يداً فيها وعملاً، فهو صانعها ومُسيِّرها بأمر الله {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[الروم: ٤٦] أي: تسيرون في البحر للصيد وطلب الرزق، أو حتى للنزهة والسياحة.
إذن: الآية التي لا دخلَ للإنسان فيها تُنسَب إلى الله وحده، وإنْ كان