إذن: المثل قول شبه مضربه الآن بمورده، سابقاً لأن المورد كان قوياً وموجزاً لذلك حُفِظ وتناقلته الألسنة.
والقرآن يسير على أسلوب العرب وطريقتهم في التعبير وتوضيح المعنى بالأمثال حتى يضرب المثل بالبعوضة، والبعض يأنف أنْ يضرب القرآن بجلاله وعظمته مثلاً بالبعوضة، وهو لا يعلم أن الله يقول:{إِنَّ الله لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ... }
[البقرة: ٢٦] .
وليس معنى:{فَمَا فَوْقَهَا ... }[البقرة: ٢٦] أي: في الكِبَر كما يظن البعض، فيقولون: لماذا يقول فما فوقها وهو من باب أَوْلى، لكن المراد ما فوقها في الصِّغَر وفيما تستنكرونه من الضآلة، كالكائنات الدقيقة والفيروسات ... الخ.
لكن، لماذا يضرب الله الأمثال للناس؟ قالوا: لأن الإنسان له حواسّ متعددة، فهو يرى ويسمع ويشم ويتذوق ويلمس. . الخ، ولو تأملتَ كل هذه الحواس لوجدتَ أن ألصق شيء بالحس أنْ يضرب؛ لذلك حين تريد أنْ تُوقِظ شخصاً من النوم فقد لا يسمع نداءك فتذهب إليه وتهزُّه كأنك تضربه فيقوم.
إذن: فالضرب هو الأثر الذي لا يتخلف مدلوله أبداً، ومن ذلك قوله تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله ... }[المزمل: ٢٠] أي: يُؤثرون فيها تأثيراً واضحاً كالحرث مثلاً، وهو أشبه ما يكون بالضرب.
والضرب لا يكون ضرباً يؤدي مهمة وله أثر إلا إذا كان بحيث يُؤلم المضروب، ولا يُوجع الضارب، وإلا فقد تضرب شيئاً بقوة فتؤلمك يدك، فكأنك ضربتَ نفسك. وهذا المعنى فَطِن إليه الشاعر،