والحق سبحانه عبَّر عن الإيتاء العام بقوله:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ. .}[الشورى: ٥١]
والإيتاء يُقصد به الإلهام، ويكون حين تتوفر للإنسان آلة استقبال سليمة صالحة لاستقبال الإلهام والخاطر من الحق سبحانه وتعالى، وآلة الاستقبال لا تصلح للاستقبال عن الله تعالى إلا إذا كانت على مواصفات الخالق سبحانه صانعها ومبدعها، كما يلتقط (الراديو أو التليفزيون) الإرسال، فإنِ انقطع عنك الإرسال فاعلم أن جهاز استقبالك به عطب، أما الإرسال فموجود لا ينقطع، ولله تعالى المثل الأعلى.
وله سبحانه إرسال دائم إلى عباده، لا يلتقطه إلا مَنْ صفَتْ آلة استقباله، وصلحت للتلقي عن الله، وهذه الآلة لا تصلح إلا إذا كانت على المنهج في افعل ولا تفعل، لا تصلح إذا تكونت من الحرام وتغذَّتْ به؛ لأن الحرام يفسد كيماوية الفطرة التي خلقها الله في عباده يوم أن أخذ عليهم العهد:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى. .}[الأعراف: ١٧٢]
فهذه الذرية لو ظلتْ على حالها من الصفاء يوم كانت في ظهر آدم ويوم أخذ الله عليها العهد، ولو التزمت منهج ربها في (افعل) و (لا تفعل) لكانت أهلاً لإلهام الله؛ لأن آلة استقبالها عن الله سليمة.
وتأمل في وحي الله إلى أم موسى: {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ