إن الواحد من هؤلاء يدعى لنفسه التحضر، ويعطي من الفتاوى ما يناقض الذي أنزله الله، ويدعى أنه يأخذ الدين بروح العصر، ويدعى لنفسه عدم الجمود، ويذهب إلى حد اتهام المتمسكين بدينهم بأنهم متخلفون، والهدف الذي يختبئ في صدر مثل هذا الإنسان هو الاستعلاء في قومه بغير الحق، ويجب أن نفهم أن كل خلاف بين أهل دين واحد، أو بين دين ودين، منبعه قول الحق:{بَغْياً بَيْنَهُمْ} . وهذا يعني اتباع البعض للهوى النابع من بينهم ولم ينزله الله.
لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى إمّا أن ينزل الله حكما محكما لا رأى فيه لأحد، ولا يستطيع أحد أن ينقضه، وإما أن ينزل الله حكما قابلا للفهم والاجتهاد.
ولم يجعل الله الأحكام كلها من لون واحد، إنما جعل الأحكام على لونين، وذلك حتى يحترم الإنسان ما وهبه الخالق له من عقل، ويجعل له مهمة، فيأتي بقضية ويبحثها ويرجع سببا على سبب. وفي ذلك استخدام من الإنسان لعقله، إنها رحمة من الله حتى لايجمد العقل الإنساني.
إذن فإذا رأيت أي خلاف بين رجال الدين أو بين دين ودين فاعلم أن القول الفصل في هذا الأمر هو ما عبر عنه في القرآن:{بَغْياً بَيْنَهُمْ} فمن البغي يهب الهوى الذي تنشأ منه الأعاصير، إن من يحب الاستعلاء بغير الحق هو الذي يحاول البغي فيدعي لنفسه أنه أرقى في الفكر، أو يستعلى عند من يملكون له أمرا، أو يستعلي عندما يوافق حاكما في رأي من الآراء، ويبرر للحاكم حكما من الأحكام.
إن كلمة {بَغْياً بَيْنَهُمْ} يدخل في نطاقها كل موجات الخروج عن منهج الله، والتي نراها في الكون، والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قد أعطانا المناعة ضد الأمراض النفسية الناشئة عن البغي، مثلما يعطي المعاصرون المصل ضد أمراض البدن التي تفتك بالإنسان، وحتى لا تفاجئنا أمراض البغي، نجد الرسول يعطينا المناعة
فيقول لنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس» ويحذرنا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من ذلك كما في الحديث التالي: