للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولده، فالابن هو الإنسان الوحيد في الوجود الذي يودُّ أبوه أن يكون الابن أفضلَ وأحسن حالاً منه، ويتمنى أن يُعوِّض ما فاته في نفسه في ولده ويتدارك فيه ما فاته من خير.

ومعنى {وَهُوَ يَعِظُهُ. .} [لقمان: ١٣] الوعظ: هو التذكير بمعلومة عُلِمت من قبل مخافة أنْ تُنْسى، فالوعظ لا يكون بمعلومة جديدة، إنما يُنبه غفلتك إلى شيء موجود عندك، لكن غفلت عنه، فهناك فَرْق بين عالم يُعلم، وواعظ يعظ، والوعظ للابن يعني أنه كان على علم أيضاً بالمسائل، وكان دور الوالد أنْ يعظه ويُذكِّره.

ونلحظ في أسلوب الآية أن الله تعالى لما أخبر عنه قال {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ. .} [لقمان: ١٣] ولما تكلم لقمان عن ابنه قال {يابني. .} [لقمان: ١٣] ولم يقل يا ابني، فصغّره تصغير التلطف والترقيق، وليوحي له: إنك لا تزال في حاجة إلى نصائحي، وإياك أنْ تظن أنك كَبِرت وتزوجت فاستغنيتَ عني.

وأول عِظَة من الوالد للولد {لاَ تُشْرِكْ بالله. .} [لقمان: ١٣] وهذه قمة العقائد؛ لذلك بدأ بها؛ لأنه يريد أنْ يُصحِّح له مفهومه في الوجود، ويلفت نظره إلى أن الأشياء التي نعم بها آباؤك وأجدادك لا تزال تعطي في الكون، ومن العجيب أنها باقية، وهي تعطِي في حين يموت المعطَى المستفيد بها.

وتأمل منذ خلق الله الكون كم جيل من البشر انتفع بالشمس؟ ومع ذلك انذثروا جميعاً، وما زالت الشمس باقية، كذلك القمر والهواء والجبال. . الخ. فكيف وأنت سيد هذا الكون يكون خادمك أطول عمراً منك؟

إذن: على العاقل أن يتأمل، وعلى الإنسان الذي كرَّمه الله على

<<  <  ج: ص:  >  >>