وتأمل عظمة الأسلوب في {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنيا مَعْرُوفاً. .}[لقمان: ١٥] فلم يقل مثلاً أعطهم معروفاً، إنما جعل المعروف مصاحبة تقتضي متابعتهما وتفقُّد شأنهما، بحيث يعرف الابن حاجة أبويْه، ويعطيهما قبل أنْ يسألا، فلا يلجئهما إلى ذُلِّ السؤال، وهذا في ذاته إحسان آخر.
كالرجل الذي طرق بابه صديق له، فلما فتح له الباب أسرَّ له الصديق بشيء فدخل الرجل وأعطى صديقه ما طلب، ثم دخل بيته يبكي فسألته زوجته: لم تبكي وقد وصلْته؟ فقال: أبكي لأنني لم أتفقد حاله فأعطيه قبل أن يذَّل نفسه بالسؤال.
والحق - تبارك وتعالى - حين يقول بعد الوصية بالوالدين:{إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[لقمان: ١٥] إنما لينبهنا أن البرَّ بالوالدين ومصاحبتهما بالمعروف لم يُنسى لك ذلك، إنما سيُكتب لك، وسيكون في ميزانك؛ لأنك أطعتَ تكليفي وأمري، وأدَّيْتَ، فلك الجزاء لأنك عملتَ عملاً إيمانياً لا بُدَّ أن تُثاب عليه.