وجمع بين هاتين الصفتين؛ لأنك قد تكون خبيراً بالشيء عالماً بمكانه، لكنك لا تستطيع الوصول إليه، كأنْ يكون في مكان ضيق لا تنفذ إليه يدك، وعندها تستعين بآلة دقيقة كالملقاط مثلاً، فالخبرة موجودة، لكن ينقصك اللطف في الدخول.
والحق - سبحانه وتعالى - لطيف، فمهما صَغُرت الأشياء ودقَّتْ يصل إليها، فهو إذن عليم خبير بكل شيء مهما صغر، قادر على الإتيان به مهما دقَّ؛ لأنه لطيف لا يمنعه مانع، فصفة اللطف هذه للتغلغل في الأشياء.
ونحن نعلم أن الشيء كلما دقَّ ولَطُف كان أعنف حتى في المخلوقات الضارة، وسبق أن أوضحنا هذه المسألة بمَنْ بنى بيتاً في الخلاء، وأراد أنْ يؤمِّن نوافذه من الحيوانات والحشرات الضارة، فوضع على النوافذ شبكة من الحديد تمنع اللصوص والحيوانات الكبيرة، ثم تذكّر الفئران والثعابين قضيّق الحديد، ثم تذكّر الذباب والناموس فاحتاج إلى شيء أضيق وأدقّ، إذن: كلما كان عدوك لطيفاً دقيقاً كان أعنف، واحتاج إلى احتياط أكثر.
فقوله تعالى {إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ}[لقمان: ١٦] يعني: لا يعوزه علم بالمكان، ولا سهولة ويُسْر في الوصول إلى الأشياء.
كانت هذه بعض وصايا لقمان ومواعظه لولده، ولم يأمره حتى الآن بشيء من التكاليف، إنما حرص أنْ يُنبه: أنك قد آمنت بالله وبلغَك منهجه واستمعت إليه، فأطع ذلك المنهج في افعل ولا تفعل، لكن قبل أنْ تباشر منهج ربك في سلوكك اعلم أنك تتعامل مع إله قيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يغيب عنه شيء، فادخل على المنهج بهذا الاعتقاد.