للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زرعك أو يقتل ولدك، فهذه تحتاج إلى صبر أشد، فكلما رأيتَ غريمك هاجتْ نفسك وغلى الدم في عروقك، فيحتاج إلى طاقة أكبر ليحمل نفسه على الصبر.

لذلك يقول سبحانه في هذه المسألة: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: ٤٣] فأكَّدها باللام؛ لأنها تحتاج إلى طاقة أكبر من الصبر وضبط النفس حتى لا تتعدى كلما رأيت الغريم، وهذا من المواضع التي وقف عندها المستشرقون يلتمسون فيها مأخذاً على كلام الله.

يقولون: ما الفرق بين قول القرآن {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور} [لقمان: ١٧] وقوله: {إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: ٤٣]

ثم أيهما أبلغ من الأخرى، فإنْ كانت الأولى بليغة فالأخرى غير بليغة.

ونقول في الرد عليهم: كل من الآيتين بليغة في سياقها، فالتي أُكِّدت باللام جاءت في المصيبة التي لك فيها غريم وتحتاج إلى صبر أكبر، أما الأخرى ففي المصيبة التي ليس لك فيها غريم، فهي بينك وبين ربك، والصبر عليها هيِّن يسير.

لذلك، فالحق سبحانه يعالج هذه المسألة ليُصفِّي النفس ويمنع ثورتها، فيقول: {وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] لتقف النفس عند حدِّ الرد بالمثل، ثم يُرقِّى المسألة، ويفتح باباً للعفو:

{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله ... } [الشورى: ٤٠] وقال في موضع آخر: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل: ١٢٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>