أما الإنسان فيدعوه غروره بنفسه أنْ يتحمّل ماَلا يطيق. ويُقال: إن الحمار إذا نهق فإنه يرى شيطاناً، وعلمنا بالتجربة أن الحيوانات ومنها الحمير تشعر بالزلزال قبل وقوعه، وأنها تقطِّع قيودها وتفرّ إلى الخلاء، وقد لوحظ هذا في زلزال أغادير بالمغرب، ولاحظناه في زلزال عام ١٩٩٢م عندما هاجت الحيوانات في حديقة الحيوان قبيل الزلزال.
ثم إن الحمار إنْ سار بك في طريق مهما كان طويلاً فإنه يعود بك من نفس الطريق دون أنْ تُوجِّهه أنت، ويذهب إليه مرة أخرى دون أنْ يتعدَّاه، لكن المتحاملين على الحمير يقولون: ومع ذلك هو حمار لأنه لا يتصرف، إنما يضع الخطوة على الخطوة، ونحن نقول: بل يُمدح الحمار حتى وإنْ لم يتصرف؛ لأنه محكوم بالغريزة.
كذلك الحال في قول الله تعالى:{مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً ... }[الجمعة: ٥]
فمتى نثبت الفعل وننفيه في آن واحد؟ المعنى: حملوها أي: عرفوها وحفظوها في كتبهم وفي صدورهم، ولم يحملوها أي: لم يؤدوا حق حملها ولم يعملوا بها، مثَلهم في ذلك {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً ... }[الجمعة: ٥] فهل يُعَدُّ هذا ذَماً للحمار؟ لا، لأن الحمار مهمته الحمل فحسب، إنما يُذَمّ منهم أَنْ يحملوا كتاب الله