الغيب دونه حجب الزمان، أو حجب المكان، فما سبقك من أحداث يحجبها عنك حجاب الزمان الماضي، وما سيحدث في المستقبل يحجبه عنك حجاب الزمان المستقبل، أما الحاضر الذي تعيشه فيحجبه عنك المكان، بل وقد تكون في نفس المكان وتجلس معي، لكنك لا تعرف ما في صدري مثلاً.
وكل هذه الحجب خرقها الحق سبحانه لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فمثلاً في غزوة مؤتة لما بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ جيشه إليها، وبقي هو في المدينة قال: حين وزَّع القيادة: يحمل الراية فلان، فإذا قُتِل يحملها فلان، فإذا قُتِل يحملها فلان وسمَّى هؤلاء الثلاثة، ثم قال: فإذا قُتِل الثالث فاختاروا من بينكم مَنْ يحملها.
وجلس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بين أصحابه في المدينة، وأخذ يصف لهم المعركة وصفاً تفصيلياً، فلما عاد الجيش من مؤتة وجدوا واقع المعركة وفق ما أخبر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو في المدينة.
وقد نبهتنا هذه المسألة إلى السر في تسمية مؤتة (غزوة) وكانوا لا يقولون غزوة إلا للتي شهدها رسول الله بنفسه، أما التي لا يخرج فيها فتسمّى (سرية) فلما أخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما يدور في المعركة مع بُعد المسافات اعتبرها المسلمون غزوة.
بل وأبلغ من ذلك، فالحق سبحانه كسف لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما يدور