يعلم أن النصر من الله، وكأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول لأهل مكة: لقد كنتم تريدون الملْك لتتكبروا به، وأنا أريده لأتواضع به، وهذا هو الفرق بين عزَّة المؤمن وعِزّة الكافر.
لذلك لما تمكن رسول الله من رقابهم - بعد أنْ فعلوا به ما فعلوا - جمعهم وقال قولته المشهورة:
«يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال:«اذهبوا فأنتم الطلقاء» .
ولك أنْ تلحظ تحوُّل الأسلوب من صيغة الإفراد في {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ. .}[لقمان: ٢٣] إلى صيغة الجمع في {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ. .}[لقمان: ٢٣] ولم يقل: إليَّ مرجعه؛ لأن مَنْ في اللغة تقوم مقام الأسماء الموصولة كلها، فإنْ أردتَ لفظها فأفردها، وإن أردتَ معناها فاجمعه.
وقوله تعالى:{فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عملوا. .}[لقمان: ٢٣] لأننا نُسجِّله عليهم ونحصيه، كما قال سبحانه:{أَحْصَاهُ الله وَنَسُوهُ ... }[المجادلة: ٦]{إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور}[لقمان: ٢٣] أي: بنات الصدر ومكنوناته يعلمها الله، حتى قبل أنْ تُترجم إلى نزوع سلوكي عملي أو قَوْلي، فالله يعلم ما يختلج في صدورهم من حقد أو غلٍّ أو حسد أو تآمر.
و {عَلِيمٌ ... }[آل عمران: ١١٩] صيغة مبالغة من العلم، وفَرْق بين عالم وعليم: عالم: ذاتٌ ثبت لها العلم، أما عليم فذات عِلْمها ذاتي؛ لذلك يقول تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف: ٧٦]