للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيعي في خَلْق البشر من أب وأم، إنما خَلِق بهذه الكلمة (كن) . لماذا؟

لأن الله تعالى يريد أنْ يثبت لنفسه طلاقة القدرة في الإيجادات وأنه سبحانه يخلق كما يشاء، فمرة يخلق بلا أب وبلا أم، كما خلق آدم عليه السلام، ومرة يخلق بأم دون أب كما خلق عيسى عليه السلام، ومرة يخلق بأب وأم، ويخلق بأب دون أم كما خلق حواء.

إذن: القسمة العقلية موجودة بكل وجوهها.

إذن: مع طلاقة القدرة لا اعتبارَ للأسباب، فأنت إنْ أردتَ أنْ تكوِّن مثلاً قطرة الماء، فعليك أن تأتي بالأكسوجين والأيدروجين بطريقة معينة ليخرج لك الماء وإلا فلا، أما الخالق - عَزَّ وَجَلَّ - فيخلق بالأشياء وبدون شيء، لأن الأشياء بالنسبة لله تعالى ليست فاعلة بذاتها، وإنما هي فاعلة بمراد الله فيها.

ثم يقول سبحانه: {إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: ٢٧] والعزيز هو الذي يَغلب ويَقْهر ولا يُقهر، ولا يستدرك أحد على فعله حتى لو كان مخالفا لعقله هو، وتأمل معنى العزة، وكيف وردت في هذا الموقف من قوله تعالى لسيدنا عيسى عليه السلام. {وَإِذْ قَالَ الله ياعيسى ابن مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب} [المائدة: ١١٦] إلى أن يقول: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} [المائدة: ١١٨]

والمنطق العقلي يقتضي أن نقول في عرف البشر: فإنك أنت الغفور الرحيم، فالمقام مقام مغفرة، لكن عيسى عليه السلام يأتي

<<  <  ج: ص:  >  >>