الآخرة وعن القيامة والحساب، لذلك راحوا يُشكِّكون فيها، أما الفلاسفة فقالوا: حين يبعث الله إنساناً بعد الموت وقد تحللتْ أعضاؤه وصارت تراباً، ثم غرست في هذا المكان شجرة فتغذتْ من هذا التراب، وأكل إنسان آخر من ثمارها وانتقلتْ إليه بعض خلايا وجزيئات الأول، فإذا كان هناك بعث أتُبعت هذه الجزئيات مع الأول أم مع الآخر؟ فإنْ كانت مع الأول فهي نقص في الآخر والعكس. هذه هي شبهة الفلاسفة.
وقد تخبَّط الفلاسفة هذا التخبُّط؛ لأنهم لم يفطنوا إلى شيء في الوجود يعطي قيماً للغيبيات، وقد أوضحنا هذه المسألة فقلنا لهم: لو أن إنساناً يزن مائة كيلو مثلاً أصيب بمرض أفقده أربعين كيلو من وزنه، فماذا يعني هذا النقص بالنسبة للشخص نفسه؟
هذه المسألة يتحكم فيها أمران: الغذاء والإخراج، ففي فترة النمو يكون الداخل للجسم أكثر من الخارج، أما في فترة الشيخوخة مثلاً فالخارج أكثر، فإنْ توازن الأمران كانت حالة من الثبات لا يزيد فيها الشخص ولا ينقص، وهي فترة الثبات.
فالشخص الذي نقص من وزنه أربعون كيلو، ثم شفاه الله وعادت إليه عافيته حتى زاد وزنه وعاد إلى حالته الطبيعية، فهل تغيَّر الشخص حال نقصان وزنه؟ وهل تغيَّر حال عودته إلى طبيعته؟ أم ظلت الشخصية والذاتية هي هي؟
إذن: المسألة في تكوين الجسم ليست ذرات وجزئيات، إنما هي شخصية معنوية خاصة وإنْ تكوَّنت من جزيئات المادة وهي الستة عشر عنصراً التي تكوِّن جسم الإنسان، والتي تبدأ بالأكسوجين وتنتهي بالمنجنيز، وهي نفس العناصر المكوِّنة لتربة