ويصيبه الرعب، ويتراءى له شبح المرض، فينفق على ابنه المئات، أما الذي يعيش على الكفاف ويعرق في كسب عيشه بالحلال فيكفيه في مثل هذه الحالة قرص أسبرين وكوب ليمون، فالأول أصاب ماله من مهاوش، والآخر أصابه من الحلال.
فقول الله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ الله هُوَ الحق. .}[لقمان: ٣٠] يعني: أن الحق هو الظاهر وهو الغالب، فإنْ قلتَ كيف ونحن نرى الباطل قد يعلو على الحق ويظهر عليه؟ ونقول: نعم، قد يعلو الباطل لكن إلى حين، وهو في هذه الحالة يكون جندياً من جنود الحق، كيف؟ حينما يعلو الباطل وتكون له صَوْلَة لا بُدَّ أن يعض الناس ويؤذيهم ويذيقهم ويلاته، فيلتفتون إلى الحق ويبحثون عنه ويتشوقون إليه.
إذن: لولا الباطل ما عرفنا ميزة الحق، ومثال ذلك الألم الذي يصيب النفس الإنسانية فينبهها إلى المرض، ويظهر لها علتها، فتطلب الدواء، فالألم جندي من جنود الشفاء، وقلنا سابقاً: إن الكفر جندي من جنود الإيمان.
لذلك لا تحزن إنْ رأيتَ الباطل عالياً، فذلك في صالح الحق، واقرأ قول ربك عَزَّ وَجَلَّ:{أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ... }[الرعد: ١٧] يعني: يأخذ كل وادٍ على قدره وسِعَته من الماء {فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً ... }[الرعد: ١٧] وهو القش والفتات الذي يحمله الماء {وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل ... }[الرعد: ١٧] أي: مثلاً لكل منهما. {فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً ... }[الرعد: ١٧] يعني: مطروداً مُبْعداً من الجفوة {وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال}[الرعد: ١٧]