لكن نقول لمن عبد الأصنام: لا بُدَّ أنْ يأتي عليك الوقت الذي لا تلتفت فيه إلى الأصنام، بل إلى الإله الحق الذي هربتْ من مطلوباته وانصرفت عن عبادته، لا بُدَّ أن تُلجئك الأحداث إلى أنْ تلوذ به؛ لذلك يقولون في المثل (اللي متحبش تشوف وجهه، يُحوجك الزمن لقفاه) .
فأنتم أعرضتم عن الله وكفرتم به، فلما نزلت بكم الأحداث وأحاطت بكم الأمواج صِرْتم أرانب، فلماذا الآن تلجئون إلى الله؟ لماذا لم تستمروا على عنادكم وتكبُّرهم حتى على الله؟
ثم يقول تعالى:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ. .}[لقمان: ٣٢] وكان ينبغي عليهم بعد أنْ نجاهم وأسعفهم، كان ينبغي عليهم أن يؤمنوا به، وأنْ يطيعوه، وأن تؤثر فيهم هذه الهزة التي زلزلتهم، إلا أنهم عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والإعراض عن الله، وطاوع نفسه وشهوته.
هذه هي حال الكافر حينما يتعرض للابتلاء والتمحيص، فإنه ينتكس ولا يرعوى على خلاف المؤمن، فإنه إن تعرَّض لمثل هذا الاختبار يزداد إيماناً ويقيناً.
والمقتصد هو البين بين، تأخذه الأحداث والخطوب، فتردُّه إلى الله حال الكرب والشدة، لكنه إذا كشف عنه تردد وضعفتْ عنده هذه الروح، بدليل أن الله تعالى يذكر في مقابل المقتصد نوعاً آخر منهم غير مقتصد {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}[لقمان: ٣٢]
فمنهم من بهت كفره حينما تنبه في الوازع الإيماني، لكنه لما نجا غرَّته الدنيا من جديد، ومنهم الجاحد الختَّار أي: الغادر.