قبل أنْ تقع فيه، نعمة لأن الله لم يأخذنا على غِرَّة، ونبهنا إلى الخطر قبل أنْ نقع فيه.
ووَعْد الله حقٌّ؛ لأنه وعد ممَّنْ يملك الوفاء بما وعد، وإنفاذ ما وعد به، أما غير الله سبحانه فلا يملك أسباب الوفاء، فوعده لا يُوصَف بأنه حق؛ لذلك قال سبحانه في سورة الكهف:{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ... }[الكهف: ٢٣ - ٢٤]
فأنت وإنْ كنتَ صادقاً فيما وعدتَ به إلا أنك لا تضمن البقاء إلى أنْ تفي بما وعدتَ، فإنْ بقيت فقد تتغير الأسباب فتحول بينك وبين الوفاء، وأنت لا تملك سبباً واحداً من هذه الأسباب.
إذن: تأدب ودَع الأمر لمَنْ يملك كل أسباب إنفاذ الوعد، وقُلْ سأفعل كذا إن شاء الله، حتى إذا لم تنفذ يكون لك حجة فتقول: أردتُ لكن الله لم يشأ.
وكأن ربنا - عَزَّ وَجَلَّ - يريد أنْ يداري كذبنا ويستره علينا، يريد ألاَّ يفضحنا به، وأخرجنا من هذه المسئولية بترك المشيئة له سبحانه، وكأن قدر الله في الأشياء صيانة لعبيده من عبيده. لذلك كثيراً ما نقول حينما لا نستطيع الوفاء: هذا قدر الله، وماذا أفعل أنا، والأمر لا يُقضى في الأرض حتى يُقضى في السماء.
وما دمنا قد آمنا بقدر الله والحكمة منه، فلا تغضب مني إنْ لم أفِ لك وأنت كذلك، والعاقل يعلم تماماً حين يقضي أمراً لأحد أن قضاء الأمر جاء معه لا به، فالقدر قضاء، ووافق قضاؤه قضاء الله للأمر، فكأن الله كرَّمه بأنْ يقضي الأمر على يديه، لذلك قلنا: إن الطبيب المؤمن يقول: جاء الشفاء معي لا بي، وأن الطبيب يعالج والله يشفي، إذن: لا يُوصَف الوعد بأنه حقٌّ إلا وعد الله عَزَّ وَجَلَّ.